منذ أن أدرك الإنسان البدائي أن بإمكانه تسديد سهمٍ بعيدٍ صوب فريسته، بدأ عصر جديد من التطور التقني في تاريخ الأسلحة. لم تكن الأقواس والسهام مجرد أدوات صيد أو قتال، بل كانت أيضاً موضع تفوق حضاري وعسكري وفني في العديد من الثقافات القديمة. ومن بين الأسئلة التي يطرحها المهتمون بهذا الإرث التاريخي: ما هو أقصى مدى يمكن أن يصله السهم في العصور القديمة؟
الفيزياء خلف الرمية
يعتمد مدى السهم على عوامل متعددة، منها:
كلما زادت قوة شد القوس وجودة المادة المصنوع منها، زادت سرعة السهم ومداه. كما أن السهام الأخف تطير لمسافة أطول ولكن على حساب الدقة والاختراق.
أشهر أنواع الأقواس ومداها 
1. القوس البسيط (Simple Bows)
2. القوس الطويل الإنجليزي (Longbow)
3. القوس المركب (المغولي والعربي والفارسي) (Composite Bow)
3. القوس النشاب (Crossbow)
-
يُعد من أهم الابتكارات العسكرية في العصور الوسطى، وقد تميز بقوة انطلاق السهم وسهولة الاستخدام مقارنة بالقوس التقليدي.
-
أول من اخترعه واستخدمه بشكل موسّع هم الصينيون.
-
المدى الفعّال: بين 50 و100 متر، وهناك نوع مطور ثقيل يصل مداه لـ 150-200 متر.
الرماة العثمانيون وسهام الطيران
بلغ الرماة العثمانيون مستويات مذهلة من الدقة والمدى. ففي مسابقاتهم الرسمية، استخدموا سهام الطيران (خفيفة جداً، مصممة خصيصاً للمسافات)، ونجح بعضهم في إيصال السهم إلى مسافة تفوق 800 متراً، وهو رقم لا يزال يُعد إعجازاً تقنياً حتى بمقاييس اليوم.
بل إن بعض الأعمدة الحجرية القديمة في إسطنبول ما زالت تحتفظ بنقوش تشير إلى هذه الأرقام بوصفها إنجازات فريدة.
أسطورة أم حقيقة؟
رغم وجود بعض المبالغات في الروايات الشعبية والأسطورية، فإن الحقائق الفيزيائية والتاريخية تؤكد أن الإنسان القديم، باستخدام أدواته، استطاع بالفعل الوصول إلى مديات مذهلة. واليوم، لا تزال هذه الإنجازات تثير إعجاب الفيزيائيين والمهندسين الذين يدرسون علم المقذوفات التقليدية.
خاتمة
إن دراسة مدى السهم في التاريخ لا تكشف لنا فقط عن تطور أدوات القتال، بل تفتح نافذة لفهم مهارات الإنسان القديم، وعبقريته الهندسية، واستغلاله الأمثل للمواد الطبيعية من حوله. وما بين القوس البسيط وسهام الطيران العثمانية، تتجلى حكاية الإنسان مع السلاح الأول الذي مكنه من الصيد، والدفاع، ثم السيطرة.