في عالم الدواء حيث يُفترض أن يكون الهدف الأول هو مساعدة المرضى وتحقيق الشفاء، تُظهر بعض الشركات الدوائية جانباً مظلماً يتمثل في استغلال المرضى من خلال سياسات تسعير وتغليف تهدف إلى تعظيم الأرباح على حساب صحة الإنسان وحقه في العلاج.
تسعير الأدوية: الربح على حساب المريض
من المعروف أن تسعير الأدوية لا ينبغي أن يعتمد فقط على تكلفة الإنتاج أو البحث والتطوير، بل يجب أن يراعي قدرة المرضى على تحمّل التكاليف. ولكن في الواقع أصبحت بعض الشركات الدوائية تستغل سياسات التسعير لتحقيق أرباح ضخمة دون مراعاة للمريض، الذي يُجبَر أحياناً على شراء أدوية بأسعار خيالية رغم وجود بدائل أقل تكلفة ولكنها متاحة في أسواق أخرى.
الأكثر إثارة للدهشة هو أن بعض الشركات تُبقي على أسعار ثابتة للأدوية بغض النظر عن تركيزاتها. فمثلاً يُمكنك أن تجد علبة تحتوي على 30 حبة من دواء تركيزه 10 ملغ بنفس السعر الذي يُباع به نفس الدواء لكن بعيار أكبر 25 ملغ من نفس الشركة، أي لو كان بالإمكان تقسيم حبة الدواء ذات العيار 25 ملغ لنتج عنها علبتان ونصف، لكن الشركة كانت حريصة على ألا يكون هناك إمكانية لتقسيم الحبة يدوياً، مما يعني أن المريض يدفع أكثر مقابل جرعة أقل، مما يعد تناقضاً واضحاً في السياسة التسويقية لهذه الشركات.
التغليف كأداة للتلاعب بالأسعار
لا يقتصر الأمر على التسعير فقط، بل يتعداه إلى التغليف. تُصمم بعض الأدوية بطريقة تمنع تقسيم الحبة أو تعديل الجرعة بسهولة، حتى لو كان ذلك في مصلحة المريض، فهي تصنع الغلاف الخارجي بتقنية تسمى التحرر المُعدّل (Modified-release coating)، وهذا الغلاف لا يتحمّل القطع دون التأثير على آلية الامتصاص أو فعالية الدواء في الأمعاء، حتى أنه أحياناً يُكتب صراحة في النشرة: "لا تكسر أو تمضغ أو تسحق الحبة. أو تقوم الشركة بنفس النية بأن تُصغر حجم حبة الدواء بشكل مبالغ فيه، بحيث لا يستطيع المريض تقسيم الحبة لتقليل التكلفة أو الاستفادة من جرعة أعلى بسعر أقل. هذه السياسات لا تُمثل في النهاية إلا محاولة لإجبار المريض على شراء عبوات إضافية، ما يضع عبئًا ماديًا كبيرًا على المرضى.

حرمان المريض من خيارات العلاج
الأسوأ من ذلك أن هذه السياسات تُضيّق خيارات العلاج أمام المرضى. فالشركات التي تسيطر على السوق تتلاعب بتكلفة الأدوية مما يجعل الدواء غير متاح لفئات كثيرة من المرضى. حين يُجبر المريض على شراء علاج بأسعار تفوق قدرته المالية، قد يُضطر إلى التوقف عن العلاج أو اللجوء إلى بدائل غير مرخصة أو غير فعّالة، مما يعرض حياته للخطر.
الشركات: أكثر من مجرد ربح
بينما تدعي الشركات الدوائية أنها تسعى لتقديم الأدوية الأفضل للمرضى، فإنها في الحقيقة تُظهر أولوية الربح على حساب صحة الإنسان. إن ارتفاع الأسعار والتلاعب بالتغليف لا يُعتبران مجرد حالات استثنائية، بل هما جزء من استراتيجيات تجارية تُستخدم على نطاق واسع في صناعة الأدوية. وهذا يُشير إلى أن هناك توجهًا من بعض الشركات نحو استغلال المرضى في سبيل تحقيق أعلى العوائد المالية.

ما الذي يمكن فعله؟
لا يمكن تجاهل دور الجهات التنظيمية في التصدي لهذه السياسات، إذ يُفترض أن تراقب الهيئات الصحية تسعير الأدوية وطرق تغليفها لضمان أن تكون الأسعار عادلة وأن حقوق المرضى لا تُنتَهك. يجب أن تُمنح الأولوية لتوفير الأدوية بسعر معقول وملائم، وكذلك تشجيع تصنيع الأدوية المكافئة التي تكون أكثر توفراً وأسعارها أقل.
الختام: من مسؤولية الشركات إلى واجبنا
إن هذا النوع من الممارسات يُعد عاراً أخلاقياً على الشركات المصنعة للأدوية. حيث يجب أن يكون الدواء وسيلة للشفاء، لا وسيلة لزيادة الأرباح على حساب المرضى. من المهم أن تعيد الشركات النظر في سياساتها التسويقية والتغليفية لضمان أن تكون الأولوية لصحة المرضى وتوفير الأدوية بأسعار معقولة. وفي ذات الوقت، يتحتم على المجتمع الطبي والمستهلكين والمشرعين الضغط على هذه الشركات للحد من الاستغلال المفرط وتوفير بيئة أكثر عدلاً وإنصافاً في الحصول على العلاج.