مجلة العلوم والتكنولوجيا
"نسخة الموبايل"
الرئيسية نسخة الكمبيوتر
فهم الجينات الوراثية السائدة والمتنحية
2025-05-29  

 

في علم الوراثة تلعب الجينات دور البطولة في رسم ملامحنا الوراثية، بدءاً من لون العينين وطول القامة، وصولاً إلى قابلية الإصابة بأمراض معينة. ومن بين المفاهيم المحورية في هذا الحقل، يبرز التمييز بين الجينات السائدة والمتنحية كأحد أكثر المفاتيح فهماً لآلية انتقال الصفات الوراثية من جيل إلى آخر.

 

ما هي الجينات؟ 

الجينات أو المورثات هي وحدات وراثية صغيرة داخل الحمض النووي (DNA)، تحمل الشيفرة التي تُوجّه خلايا الجسم لإنتاج البروتينات. كل جين يوجد منه نسختان، تُدعى كل واحدة منهما أليلي (Allele)، واحدة من الأب وواحدة من الأم.

إذن الجينات هي وحدات وراثية صغيرة أو أجزاء من الحمض النووي (DNA)، وتعمل كتعليمات تتحكّم في صفات الكائن الحي، مثل لون العين، والطول، والذكاء، والاستعداد لبعض الأمراض.

  1. الكروموسومات (الصبغيات) هي هياكل دقيقة داخل نواة الخلية، تتكوّن أساساً من جزيء طويل من الحمض النووي (DNA) ملفوف بإحكام حول بروتينات تُسمّى الهستونات. لدى الإنسان يوجد في كل خلية 46 كروموسوماً (23 زوجاً)، نصفها ورثناه من الأب، والنصف الآخر من الأم.

  2. الحمض النووي (DNA) موجود داخل الكروموسومات (الصبغيات)، ليس كل الحمض النووي هاماً أو نشطاً، فقط حوالي 1–2٪ من الحمض النووي يستخدم لإنتاج البروتينات (الجينات)، والباقي يُعرف بـ DNA غير المُشفِّر، وبعضه له أدوار تنظيمية مهمة، لكن جزءاً كبيراً منه قد لا يكون له وظيفة واضحة حتى الآن (ويُسمى أحياناً "DNA الخردة"). أي أن الجزء الفعّال والمباشر قليل، والبقية داعمة أو غير معروفة الوظيفة تماماً.

  3. الجينات هي أجزاء من الحمض النووي.

  4. كل خلية في جسم الإنسان تحتوي على حوالي 20,000 إلى 25,000 جين.

  5. كل جين يحمل شيفرة لإنتاج بروتين معيّن يؤدي وظيفة محددة في الجسم.

  6. نرث الجينات من أبينا وأمّنا، نصفها من كل منهما.

  7. يوجد لكل جين نسختان (أليلان): واحدة من الأب وواحدة من الأم.

  8. كل خلايا الجسم (عدا بعض الاستثناءات مثل الكريات الحمراء التي بدون نواة) تحتوي على نفس الجينات تماماً، أي نفس النسخة الكاملة من الحمض النووي (DNA)، وعددها حوالي 20,000 إلى 25,000 جين. لكن الاختلاف ليس في الجينات الموجودة، بل في الجينات التي يتم "تشغيلها" أو "إسكاتها" في كل نوع من الخلايا. فخلية الكبد وخلية الجلد وخلية الدم كلها تحتوي على نفس الجينات، ولكن:

  • خلية الكبد تُفَعِّل الجينات المسؤولة عن إنتاج الإنزيمات الهاضمة.
  • خلية الجلد تُفَعِّل الجينات المسؤولة عن صنع الكيراتين.
  • خلية الدم تُفَعِّل الجينات الخاصة بالهيموغلوبين.
  • هذا ما يُعرف بـ تنظيم التعبير الجيني (Gene expression regulation).

الجينات هي بمثابة البرنامج الوراثي الذي يوجّه نمو الجسم ووظائفه، ويحدد تنوّع الصفات بين البشر.

 

الجين السائد: يظهر بمجرد وجوده

الجين السائد (Dominant gene) هو جين يظهر تأثيره في الصفات الوراثية بمجرد وجود نسخة واحدة منه، حتى لو كانت النسخة الأخرى طبيعية أو مختلفة. بكلمات أبسط: إذا كان أحد الأبوين يحمل الجين السائد، فإن هناك احتمالاً كبيراً أن يرث الأبناء تلك الصفة.

مثال: التقزم الغضروفي (Achondroplasia)

ينتج هذا النوع من التقزم عن طفرة في جين يسمى FGFR3. هذه الطفرة تُعد "سائدة"، أي أن الشخص المصاب يحمل نسخة واحدة فقط منها (Aa)، ومع ذلك تظهر عليه أعراض التقزم. وإذا كان أحد الأبوين مصاباً، فكل طفل لديه احتمال بنسبة 50٪ أن يرث الطفرة.

 

الجين المتنحي: لا يظهر إلا بوجود نسختين

على النقيض، فإن الجين المتنحي (Recessive gene) لا يُظهِر تأثيره إلا إذا وُجد في نسختين متطابقتين (aa). وإذا وُجد مع جين سائد (Aa)، فإن تأثيره يختفي ولا تظهر الصفة.

مثال: التليّف الكيسي (Cystic Fibrosis)

هذا المرض الوراثي الخطير سببه طفرة متنحية في جين CFTR. ليظهر المرض، يجب أن يرث الطفل نسختين من الطفرة، واحدة من كل والد. أما إذا ورث نسخة واحدة فقط، فإنه يكون حاملاً للمرض دون أعراض، وقد ينقل الطفرة إلى نسله.

لماذا لا تُورَّث الجينات السائدة لجميع الأبناء؟

رغم أن الجين السائد يُظهِر تأثيره بوجود نسخة واحدة، فإن وراثته تخضع لاحتمالات الانتقال الجيني. فكل حمل هو عملية عشوائية لانتقاء نسخة من الأب ونسخة من الأم. لذا، إذا كان أحد الأبوين يحمل الجين السائد (Aa) والآخر لا (aa)، فإن كل طفل لديه فقط فرصة 50٪ ليرث الجين السائد.

 

مقارنة بين الجينات السائدة والمتنحية:

 

الصلع الوراثي: وراثة متعددة المصادر لا تُشبه الجميع

لطالما ساد الاعتقاد بأن الصلع الوراثي يُورث حصرياً من جهة الأم، نظراً لارتباطه بجين مستقبل الأندروجين (AR) الموجود على الكروموسوم X، والذي ينتقل من الأم إلى أبنائها الذكور. لكن الأبحاث الجينية الحديثة أظهرت أن هذه النظرة تبسيط مخلّ، فحالة الصلع الوراثي لا تتبع طريقة ماندل بتوزع الجينات السائدة والمتنحية، بل تُعد من الصفات متعددة الجينات (polygenic traits)، أي أنها ناتجة عن تداخل معقّد بين عوامل وراثية عديدة من كلا الوالدين.

وقد بيّنت دراسات شاملة للجينوم أن هناك عشرات الجينات المرتبطة بتطور الصلع، بعضها على الكروموسوم X، وبعضها الآخر على كروموسومات جسدية موروثة من الأب أو الأم. وهذا ما يُفسر لماذا قد يُشبه نمط الصلع لدى أحد الأشخاص نمط أحد أعمامه أو أبناء عمومته من جهة الأب، وليس من جهة الأم كما كان يُعتقد سابقاً.

يُضاف إلى ذلك دور الهرمونات، وعلى رأسها "ديهيدروتيستوستيرون" (DHT)، الذي يؤدي إلى تقلّص بصيلات الشعر في مناطق محددة، مما يسرّع تساقط الشعر لدى الأفراد المهيئين وراثياً. كما تؤثر عوامل مثل التقدم بالعمر، والضغط النفسي، ونمط الحياة في توقيت وشدة ظهور الصلع.

بالتالي، فإن الصلع ليس سمة أحادية المصدر يمكن تتبعها إلى فرد واحد في شجرة العائلة، بل هو نتيجة تفاعل جيني-هرموني-بيئي معقد، قد يحمل في طياته بصمة من الأم، وملامح من الأب، وتشابهاً مع أقارب من الجهتين.

لذا فإن الوراثة من جهة الأم تُعدّ عنصراً مهماً، لكنها ليست العامل الوحيد، وإنما يأتي الصلع نتيجة تفاعل جينات متعددة مع البيئة والهرمونات بشكل مركّب.

 

الختام:

فهم الفرق بين الجينات السائدة والمتنحية لا يساعدنا فقط على إدراك آلية انتقال الصفات والأمراض، بل يُعمّق وعينا بمدى تعقيد وجمال الوراثة البشرية. هذه المعرفة لا تقتصر على المختبرات بل تمسّ كل أسرة، وتفتح الباب أمام قرارات أكثر وعياً في الحياة والصحة والتخطيط الأسري.

لعل هذا التوازن بين "السيادة" و"التخفي" هو ما يجعل علم الوراثة علماً ينبض بالحياة، ويكشف لنا عن عظمة التصميم الإنساني في أعمق مستوياته.

 


التعليقات  لا يوجد تعليقات
إضافة تعليق
     
الأسم  
البريد الإلكتروني  
التعليق  
الرئيسية
البحث والأرشيف
أقسام الموقع
الأكثر قراءة
القرأن الكريم
راديو
مكتبة الفيديو
مكتبة اليوتيوب
مكتبة الصوتيات
محول التاريخ الهجري
حاسبة العمر
صورة اليوم
من نحن
إتصل بنا
تابعنا