لم يعد الألماس حكراً على أعماق الأرض، ولا رهين ملايين السنين من الضغط والحرارة. ففي العقود الأخيرة، استطاعت التقنية الحديثة أن تعيد خلق الظروف الجيولوجية القاسية داخل المختبر، لتنتج ألماساً حقيقياً لا يختلف في تركيبه البلوري أو خواصه البصرية والفيزيائية عن الألماس الطبيعي. هذه القفزة العلمية لم تُحدث تحولاً في عالم المجوهرات فحسب، بل فتحت آفاقاً واسعة في الإلكترونيات والطب والصناعات المتقدمة.
الألماس الصناعي هو بلورة كربونية نقية تُنتج مخبرياً عبر محاكاة البيئة التي يتشكّل فيها الألماس الطبيعي في الوشاح العلوي للأرض، حيث الضغط الهائل والحرارة المرتفعة. ورغم اختلاف مصدر التكوين، إلا أن المنتج النهائي يمتلك الصلابة ذاتها (10 على مقياس موهس"Mohs scale")، والبريق نفسه، والخواص الحرارية والبصرية التي تجعل الألماس واحداً من أثمن المواد على الإطلاق.
يتشكّل الألماس في أعماق تتراوح بين 140 إلى 190 كيلومتراً تحت سطح الأرض. في تلك الأعماق:
يبلغ الضغط ما بين 45 إلى 60 ألف ضغط جوي.
وتتراوح الحرارة بين 1200 إلى 1500 درجة مئوية.
هذه الظروف تجعل الألماس الشكل الأكثر استقراراً للكربون. وبعد تكوّنه، لا يصل إلى السطح إلا عبر ثورات بركانية نادرة وسريعة تُسمّى انفجارات الكيمبرلايت، التي تنقله من الوشاح إلى القشرة قبل أن يتحول مجدداً إلى غرافيت.
تُعدّ الامتداد المخبرى لأعماق الأرض. تعتمد على ضغط يتجاوز 60,000 ضغط جوي وحرارة بين 1300–1600 درجة مئوية. هذه الطريقة تتيح إنتاج ألماس مشابه للطبيعي، وغالباً يحمل درجة لون صفراء طفيفة نتيجة آثار النيتروجين.
تقنية أكثر حداثة تُستخدم فيها غازات غنية بالكربون داخل غرفة مفرغة، فيترسّب الكربون ذرةً ذرة فوق بذرة ألماسية. تتميز هذه الطريقة بقدرتها على إنتاج ألماس أنقى وأقل شوائباً، مع إمكانية تعديل اللون والصفات خلال النمو. وهي التقنية الأكثر انتشاراً في صناعة المجوهرات الراقية.
كلاهما كربون خالص في هيئة بلورية مكعبة، لا يمكن تمييزهما بالعين المجردة ولا بالمجهر التقليدي. وحتى المختبرات تحتاج إلى أجهزة طيفية متقدمة للكشف عن مصدر البلورة.
لأن ظروف النمو مخبرية، يمكن التحكم في نسبة النيتروجين والهيدروجين والبورون، وبالتالي الحصول على ألماس يفوق الطبيعي من حيث الصفاء.
لا يحتاج إلى الحفر أو نقل التربة أو استهلاك كميات ضخمة من المياه والطاقة، ولا يرتبط بمشكلات “ألماس النزاعات”. وهو ما يجعله خياراً أخلاقياً يلقى إقبالاً عالمياً متزايداً.
شهدت أسعار الألماس الصناعي انخفاضاً كبيراً مع تطور التقنية وازدياد الإنتاج، بينما ظل الألماس الطبيعي محافظاً على قيمته المرتفعة بسبب ندرة تكوينه وطول سلسلة عرضه. ويمكن تلخيص الفوارق كما يأتي:
الألماس الطبيعي: الأعلى ثمناً، وترتفع قيمته كلما زادت الندرة والنقاء ودرجة اللون.
الألماس الصناعي: أقل تكلفة بـ 40% إلى 70% مقارنة بالقطع الطبيعية من الدرجة نفسها.
قد تختلف الأرقام باختلاف الأسواق، لكن المتوسط العالمي التقريبي هو:
الطبيعي يحتفظ بقيمته السوقية ويُعد خياراً استثمارياً على المدى الطويل.
الصناعي ممتاز للجمال والاقتناء والاستخدام العملي، لكنّ قيمته القابلة لإعادة البيع أقل استقراراً بسبب وفرة الإنتاج.
ناقل حراري فائق، يُستخدم لتبريد الشرائح عالية القدرة، ويُعدّ مرشحاً لصناعة أشباه الموصلات المستقبلية.
مشارط ألماسية ذات دقة متناهية، إضافة إلى دراسات حول استخدام الألماس النانوي في توصيل الأدوية وفي التصوير الحيوي.
يدخل في تصنيع نظم الليزر عالية القدرة، وفي مكوّنات مسرّعات الجسيمات، وفي تطبيقات الطاقة الحرارية.
يدخل في تصنيع أدوات القطع والسحق والصقل التي تحتاج إلى مادة تفوق كل المعادن في الصلابة.
لا يمكن كشف الفارق بالعين، ولا حتى بالأدوات التقليدية. تعتمد المختبرات المتخصصة مثل GIA و IGI على تحليل طيفي متقدم ورصد نمط النمو الداخلي والانعكاسات الميكروية. ويصدر المختبر شهادة توضح أصل الألماس وخصائصه الدقيقة.
الألماس الصناعي ليس مجرد بديل للألماس الطبيعي، بل يُمثّل ثورة علمية تمتد من المجوهرات الراقية إلى الإلكترونيات فائق القدرة. وما بين انخفاض التكلفة وتحسن الاستدامة والأداء العالي، يبدو أن المستقبل سيشهد حضوراً متزايداً لهذا النوع من الألماس في مختلف القطاعات. ومع ذلك، سيظل الألماس الطبيعي محتفظاً بفرادته وندرة تكوينه وارتباطه التاريخي بقيمة استثنائية لا يشاركها فيها أي حجر آخر.
Powered By Dr.Marwan Mustafa