كيف تلاحق الصواريخ الذكية الطائرات وتصيب أهدافها بدقة؟
2025-06-19

ترجمة

 

في زمن الحروب الحديثة، أصبحت الصواريخ الذكية عنصراً أساسياً في ترسانة الجيوش، سواء كانت موجهة لإسقاط طائرة مناورِة في السماء أو لتدمير هدف أرضي ثابت بدقة متناهية. لكن، كيف يمكن لصاروخ أن يلحق بطائرة سريعة، أو يضرب هدفاً أرضياً من مئات الكيلومترات؟ وما هي التقنيات المستخدمة في الطائرات لتفادي تلك الصواريخ؟ هذا ما سنستعرضه في هذا المقال.

 


أولاً: كيف يعمل الصاروخ الموجه جو-جو أو أرض-جو؟

يعتمد الصاروخ الموجَّه على مزيج من الدفع الصاروخي والتوجيه الذكي. هناك ثلاثة مراحل أساسية في مسار الصاروخ:

  1. الإطلاق (Launch): يُطلق الصاروخ من الطائرة أو من قاعدة أرضية، وفي هذه المرحلة يبدأ محرك الدفع بالعمل بسرعة هائلة.

  2. التوجيه (Guidance): يُستخدم نظام توجيه لتحديد موقع الهدف بدقة، وقد يكون عبر:

    • التوجيه الحراري (Infrared): يتعقب حرارة المحرك النفاث للطائرة.

    • الرادار النشط أو شبه النشط: يستشعر الهدف عبر موجات رادارية.

    • التوجيه بالليزر أو GPS في الصواريخ الموجهة للأهداف الأرضية.

  3. المناورة والتصحيح (Terminal Phase): يغيّر الصاروخ مساره باستمرار بناءً على حركات الهدف، مستخدماً زعانف توجيه صغيرة جداً للتحكم في الاتجاه والارتفاع.

 


كيف يُناور الصاروخ لإسقاط طائرة؟

الطائرات المقاتلة الحديثة مثل F-16 أو Su-35 قادرة على تغيير الاتجاه بسرعة ومناورة حادة تصل إلى 9G، لكن الصواريخ الحديثة مثل AIM-120 AMRAAM أو R-77 الروسي مصممة لمواكبة تلك المناورات بفضل:

  • حواسيب طيران متقدمة تحسب زاوية الانقضاض باستمرار.

  • مجسات حرارية أو رادارية تتابع الهدف في الزمن الحقيقي.

  • أنظمة تحكم طيران تجعل الصاروخ يدور بزاوية تفوق قدرة الإنسان على التحمّل.

يُطلق على هذه القدرة "super-maneuverability"، وهي تجعل الصاروخ قادراً على الانعطاف المفاجئ للوصول للطائرة حتى لو غيرت مسارها.

 


الصواريخ ضد الأهداف الأرضية: دقة لا تُصدَّق

الصواريخ الموجهة للأرض، مثل صواريخ كروز (Tomahawk الأمريكية أو Kalibr الروسية)، تُبرمج مسبقاً لتسير فوق التضاريس وتتجنب الرادارات، وتستخدم تقنيات توجيه مثل:

  • نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

  • خرائط ارتفاع رقمية (TERCOM).

  • التوجيه البصري في المرحلة النهائية (DSMAC).

بهذا تصل الصواريخ إلى أهدافها مثل مخازن الذخيرة أو غرف القيادة بدقة تصل إلى أقل من 5 أمتار.

 


ما تكلفة الصاروخ الذكي؟

تعتمد التكلفة على نوع الصاروخ ودقته وتقنياته:

  • صواريخ جو-جو قصيرة المدى مثل AIM-9X: تبلغ تكلفتها نحو 400,000 إلى 500,000 دولار.

  • صواريخ جو-جو متوسطة إلى بعيدة المدى مثل AIM-120 AMRAAM: تتراوح بين 1 إلى 2 مليون دولار.

  • صواريخ كروز أرض-أرض مثل Tomahawk: تصل إلى 1.5 مليون دولار.

  • صواريخ باليستية قصيرة المدى (مثل Iskander الروسي): تتجاوز 3 ملايين دولار.

 


كيف تهرب الطائرات من الصواريخ؟

رغم ذكاء الصواريخ، إلا أن الطائرات تمتلك تقنيات دفاعية متعددة:

  1. أنظمة التشويش الإلكتروني (ECM): تُربك نظام توجيه الصاروخ.

  2. الذخائر الخادعة (Chaff & Flares):

    • Chaff: رقائق معدنية تُربك الرادار.

    • Flares: شعلة حرارية تُضلل الصواريخ الحرارية.

  3. مناورات حادة: تُغيّر الطائرة مسارها بسرعة شديدة لتفادي الصاروخ.

  4. أنظمة التحذير (MAWS): تكشف اقتراب الصاروخ وتُعطي الطيار تنبيهات للتصرف.

 


كيف تُسقط القبة الحديدية الصواريخ القادمة؟

واحدة من أكثر أنظمة الدفاع الجوي شهرة في العالم اليوم هي "القبة الحديدية" (Iron Dome) التي تستخدمها إسرائيل لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون، والتي تُطلق غالباً من مسافات قريبة.

كيف تعمل القبة الحديدية؟

تتكوّن المنظومة من ثلاثة مكونات رئيسية:

  1. رادار الكشف والتتبع (EL/M-2084): يرصد إطلاق الصاروخ أو القذيفة خلال ثوانٍ.

  2. وحدة التحكم وإدارة النيران (BMC): تحلل المسار وتتنبأ بمكان سقوطه؛ فإذا كان سيضرب منطقة مأهولة، تصدر أمراً بالاعتراض.

  3. منصّة الإطلاق: تُطلق صاروخاً اعتراضياً يُسمّى Tamir، يلاحق الصاروخ المعادي ويفجره في الجو قبل أن يصل إلى هدفه.

ماذا يميز القبة الحديدية؟

  • تحديد الصواريخ "الخطيرة": النظام لا يعترض كل الصواريخ، بل يميّز بين ما سيصيب منطقة مأهولة وما سيسقط في مكان خالٍ، لتقليل التكاليف.

  • سرعة الرد: كل العملية – من الاكتشاف إلى التدمير – تتم خلال ثوانٍ فقط.

  • قدرة العمل في آنٍ واحد: يمكن للمنظومة التعامل مع عدة صواريخ معادية في وقت واحد.

نسبة النجاح والتكلفة

  • تعلن إسرائيل أن نسبة نجاح النظام تصل إلى 90% في اعتراض الصواريخ التي تستهدف مناطق مأهولة.

  • تكلفة صاروخ تامير الاعتراضي الواحد تُقدّر بما بين 40,000 إلى 100,000 دولار، في حين أن الجسم المعادي قد لا يتجاوز سعره بضعة مئات من الدولارات، مما يطرح تحديات اقتصادية في صراع طويل الأمد.

هل توجد أنظمة مشابهة؟

نعم، فهناك أنظمة دفاعية أخرى تُستخدم حول العالم، مثل:

  • "باتريوت" الأمريكي: مخصص لاعتراض الصواريخ الباليستية والطائرات.

  • "S-400" الروسي: يُعد من أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم.

  • "ثاد" (THAAD): نظام أمريكي لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي.

 


ختاماً

يعكس تطوّر الصواريخ الذكية سباقاً تقنياً مستمراً بين الهجوم والدفاع. فكلما زادت دقة الصواريخ، زادت أيضاً براعة الطائرات في تجنّبها. وما نراه اليوم هو مشهد متكامل من الفيزياء والهندسة والذكاء الصناعي في ساحة المعركة، حيث يلعب كل من الصاروخ والطائرة لعبة قط وفأر عالية التقنية.

 

   
   
2025-06-22  


لا يوجد تعليقات
الاسم:
البريد الالكتروني:
التعليق:
500حرف