في ظل السيادة الوطنية التي تحرص الدول على تأكيدها في شتى مجالاتها، قد يبدو غريباً أن تقوم بعض الدول بطباعة عملتها الوطنية في أراضٍ أجنبية، لدى شركات ومطابع متخصصة خارج حدودها. ولكن وراء هذا الخيار أسباب منطقية وعملية تتداخل فيها اعتبارات أمنية، اقتصادية، وتقنية.
طباعة العملة ليست مجرد عملية نسخ أوراق بأرقام متسلسلة، بل هي علم وفن وتقنية معقدة تتطلب تجهيزات متقدمة جداً، تتضمن استخدام أوراق خاصة، وأحبار مقاومة للتزوير، وخيوط أمنية دقيقة، وعلامات مائية يصعب تقليدها. بعض الدول لا تمتلك هذه الإمكانيات، وبالتالي تعتمد على مطابع أجنبية تمتلك هذه الخبرات، مثل شركة "De La Rue" البريطانية، أو "Giesecke+Devrient" الألمانية، أو المطبعة الأمنية الروسية "غوزناك".
العملات الورقية تتكون من خليط مواد، يقابلها ألان طباعة العملات البلاستيكية.
أغلب العملات الورقية تُصنع من ألياف القطن بنسبة تتراوح بين 75% إلى 100%.
يتميز القطن بمقاومته للتلف، ومتانته عند تعرضه للثني أو البلل.
يعطي الورقة قواماً مميزاً وملمساً خاصاً يمكن تمييزه عن الورق العادي.
يُستخدم أحياناً مع القطن لتعزيز المتانة.
بعض الدول مثل الولايات المتحدة تضيف حوالي 25% من الكتّان إلى ورقة الدولار الأمريكي.
تُضاف أحياناً بكميات صغيرة، وهي ألياف ملوّنة أو شفافة تُرى تحت الأشعة فوق البنفسجية.
تساعد على التحقق من أصالة الورقة النقدية.
وهي خيوط معدنية أو بلاستيكية تدمج داخل الورق أثناء صناعته، وغالباً ما تكون مرئية جزئياً أو تظهر فقط عند تعريضها للضوء.
تُضاف أثناء تصنيع الورق نفسه، وهي صور خفية لا تظهر إلا عند تعريض الورقة للضوء، وتعدّ من أبرز وسائل مكافحة التزوير.
الأحبار المتغيرة الألوان (Color-Shifting Ink) والتي يتغير لونها عند تغيير زاوية الرؤية، والأحبار الحساسة للأشعة فوق البنفسجية (UV-sensitive inks) التي تُضيء عند فحصها بأجهزة كشف خاصة.
على عكس ما يُتوقع، فإن طباعة العملة في الخارج قد تكون أرخص في بعض الحالات من إنشائها داخلياً. الشركات الأجنبية المتخصصة تطبع كميات ضخمة لدول متعددة، ما يمنحها اقتصاد الحجم الكبير ويقلل من تكلفة الطباعة للوحدة الواحدة. هذا يجعل التعاقد معها خياراً عملياً لبعض الدول، خاصة في حالات إعادة طبع العملة أو تحديث تصميماتها.
في حالات عدم الاستقرار السياسي أو وجود مخاطر داخلية، قد ترى بعض الدول أن طباعة العملة داخل أراضيها تشكّل تهديداً أمنياً أو تزيد من احتمال التسريب أو التلاعب. من هنا، يكون الطبع في الخارج ضماناً للسرية والجودة.
لبنان وسوريا على سبيل المثال لجأتا إلى طباعة العملة في روسيا خلال السنوات الأخيرة. كذلك، العديد من الدول الأفريقية تطبع عملاتها لدى شركات أوروبية. وحتى دول الخليج العربي كانت تطبع عملاتها في الخارج قبل تأسيس مطابع نقدية محلية حديثة.
رغم أن الطباعة تتم في الخارج، إلا أن العملة تُطبع بأمر رسمي من البنك المركزي للدولة، وتخضع لرقابة صارمة من لحظة التصميم إلى التسليم، وغالباً ما تكون عمليات الطبع مشمولة بسرية تامة وبحراسة أمنية عالية. لذا، فإن الطباعة في الخارج لا تنتقص بالضرورة من السيادة، ما دامت الدولة تحتفظ بكامل السيطرة على الكمية والتوزيع والتصميم.
ليست طباعة العملة في الخارج مؤشراً على ضعف الدولة أو فقدانها للسيادة، بل هو خيار تقني واقتصادي في المقام الأول، تمليه ظروف موضوعية. ومع تطور التكنولوجيا واستقرار الأوضاع، تسعى الكثير من الدول إلى بناء قدراتها الذاتية في هذا المجال، وهو ما يضمن لها استقلالاً أكبر وكفاءة أعلى على المدى الطويل.
Powered By Dr.Marwan Mustafa